من مذكرات بكيريات ...الفنان التشكيلي : نبيل بكير
روما....
في الثامن والعشرين من سبتمبر من عام1970 م
في الثامن والعشرين من سبتمبر من عام
اليوم الأسود
نبيل بكير ...
وكانت أول دموع تروي صحراء جدباء وحبات رمل تحترق بشمس صاهدة وصرخات مكتومة داخل صدري أهتزت لدويها الهائل أبنية روما عندما جائني خبر إذاعة روما
لقد مات ناصر ....وعادني صوت المذيع ....يختلف عن تلك النبرات التي أتابعها معه في أمسيات غربتي ..وبداخله نبرات الحزن المتخفية بالسعادة ....ورأيت الصوت بأبعاده اللانهائية ...في حزنه الطفولي الذي يحرق القلوب ...ويحرق روما بنيرون وكل من يركض خلف هذا الصوت
ورأيت ناصر ....الإنسان ..الذي تتفجر من داخله طاقة وضوءا وحياة ...مات ناصر ..وماتت الحياة ...مات ناصر ..وبورت الأرض من قسوة حزنها........وانسفحت لحظاتي بأدمعي المسكوبة من عيناي ...كما سكن الحزن مساحاتي التي صارت تفصل بيني وبين موعد عودتي إلى بلد المحبوب ....ناصر ......وهناك
تحول الحب...عقابا ... كما تحولت عذوبة العصر سقما.... وصدر أمر أعتقالي ....جسدي وخفقاتي ....صادروه هؤلاء الذين أحالوا ناصر إلى ملفات الأموات .....وبدأت الحرب ......لا ليست أكتوبر ....بل حرب على الأموات ....وبدأ الهزل ....والخديعة على شعوب آمنت بقضية ناصر ليحولوها هؤلاء إلى أفلام مزيفة وملفقة بخباثة ودهاء .....وصواريخ الإشاعات تفزع المحبين لناصر .......ويبدأ العصر السقيم ...وزمن الموت المهين ....وفراق الناصريين ....وهلع الشيوعيين......وبناء جماعات بأسم الدين ....تذيقنا سم الإفتاء والكذب المبين
يحلون القتل ويحرمون قول الرسول الأمين.....
